<
الرئيسية » Uncategorized » السفير عبد الرءوف الريدي يتحدث

السفير عبد الرءوف الريدي يتحدث


«السيسى» جاء للحكم بإرث ضخم من المشاكل ويفهم تمامًا خريطة العالم

«إيزنهاور» عارض العدوان الثلاثى واستخدم «الفيتو» ضد حلفائه

«السويس» فتحت الطريق أمام حركة التحرر الوطنى فى العالم

«السادات» كان هدفه استعادة الأرض. وإيجاد إطار حل للمشكلة الفلسطينية والأراضى المحتلة

«بوش الأب» عارض سياسة الاستيطان الإسرائيلية.. وأسقط الديون عن مصر

«عبدالناصر» أوفد مساعد رئيس الجمهورية للعزاء فى «إيزنهاور» تقديرًا لموقفه مع مصر

أمريكا لعبت دورًا أساسيًا فى انتخاب بطرس غالى أمينًا عامًا للأمم المتحدة

شدد السفير عبدالرءوف الريدى -سفير مصر الأسبق بالولايات المتحدة الأمريكية- على أنه مخطئ من يعتقد أن السياسة الأمريكية سواء كانت داخلية أم خارجية معدة سلفاً، ولا يستطيع أى رئيس أمريكى أن يحيد عنها، مدللاً على صحة حديثه بأن الرئيس الأمريكى «أيزنهاور» وقف إلى جانب الحق، وميثاق اﻷمم المتحدة، وقرر إفشال العدوان الثلاثى على مصر عام 56 وتصدى لحلفائه وإسرائيل واللوبى اليهودى، أما كيندى فقد بدأ حوارا مع عبدالناصر وكان يرغب فى الانفتاح على دول العالم الثالث، ولكن هذا الحوار أجهض باغتيال كيندى، فى حين أن الرئيس جونسون كان موقفه مغايراً تماماً فى التعامل مع دول العالم الثالث، وكان خاضعاً للنفوذ اليهودى ويستند إليه فى دعم موقفه الداخلى، وأن جونسون كان ضالعاً مع إسرائيل فى حرب 67 وأعطى إسرائيل الضوء الأخضر للعدوان.وحكى «الريدى» فى الجزء الأول من حواره الدبلوماسى والثقافى على موقع أخبار مصر، عن أكثر اللحظات سعادة فى مسيرة عمله بالدبلوماسية المصرية، لحظة خروج مصر من نفق الديون العسكرية الأمريكية، والتى كانت تبلغ حينها أكثر من 7 مليارات دولار، وكانت الفائدة على بعض القروض الأمريكية تبلغ نحو 15%، وهى نسبة مرتفعة للغاية، فى الوقت الذى كان هناك شرط ينص على أنه فى حالة عدم دفع مصر الأقساط فى خلال عام من موعدها المحدد سوف تقطع عنها كل المعونات الأمريكية.. وإلى نص الحوار:

< حدثنا عن بداية رحلتك بالعمل الدبلوماسي؟ التحقت بالعمل بوزارة الخارجية كملحق دبلوماسى فى وزارة الخارجية يوم 27 أبريل عام 1955، وبعد هذا التاريخ بنحو خمسة أشهر سافرت لنيويورك بعد تعيينى ملحقا فى بعثة مصر لدى اﻷمم المتحدة بعد أن قررت وزارة الخارجية تعيين اﻷول والثانى فى بعثة مصر، وذلك لتكوين جيل جديد من الدبلوماسيين بعد ثورة 23 يوليو 52، وكان الأول هو السفير يوسف شرارة وكنت الثانى، وكان الهدف تكوين جيل ثان يتعلم من خبرة الجيل السابق الذى كان يضم أقطاب الدبلوماسية بعد ذلك مثل الوزير إسماعيل فهمى وزير خارجية مصر الأسبق والوزير محمد رياض وزير الدولة للشئون الخارجية وغيرهم.وكنت أول مرة أسافر للخارج، وصلنا يوم 27 من سبتمبر عام 1955، وفى اليوم التالى، ولحسن حظى حضرت حفل استقبال أقامه الدكتور محمود فوزى وزير الخارجية آنذاك بمناسبة نجاح مصر فى إدراج قضية الجزائر على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان مجرد إدراج القضية على جدول اﻷعمال إنجازا كبيرا، حيث كانت أغلبية أعضاء اﻷمم المتحدة من الدول الغربية والدول اللاتينية بما يجعل النجاح فى جلب أصوات تكفى لإدراجها إنجازا كبيرا خاصة وأن الجزائر كانت أهم قضية تحرر أفريقى فى هذه الفترة، من أجل هذا أقام الدكتور فوزى حفلا للاحتفال بهذا النجاح، وكانت تلك أول مرة أشاهد فيها الدكتور فوزى كما كانت أول مرة أحضر فيها حفل استقبال، ثم نشأت صلة مودة مع هذا الرجل العظيم.انبهرت بنيويورك بطبيعة الحال، وقررت أن أفهم أمريكا وخاصة من الناحية الثقافية وإلى جانب العمل فى البعثة قررت أن أدرس بجامعة كولومبيا، ورتبت وقتى بحيث لا يتعارض مع العمل ودرست مع أساتذة عظام كان من بينهم «فيليب جيسب»، والذى كان قاضيا بمحكمة العدل الدولية، كما أشرف على رسالتى للماجستير الأستاذ ليستزن، وبالمناسبة كان أيضاً أستاذا لأستاذى الدكتور عبدالله العريان الذى حصل على الدكتوراة من نفس الجامعة.

الحدث الأهمبعد وصولنا لنيويورك بحوالى تسعة شهور شهدت مصر والعالم الحدث الكبير عندما أمم الرئيس عبدالناصر شركة قناة السويس، وبدأ رد الفعل الأكبر من جانب إنجلترا التى جاء التأميم بعد أن كانت قد سحبت قواتها من مصر قبل شهر واحد، وذلك طبقا لمعاهدة 1954، أما فرنسا فكانت الدولة الثانية باعتبار أن شركة القناة هى شركة فرنسية كما كانت فرنسا غاضبة من مصر بسبب دعم مصر لثورة التحرير الجزائرية وكلا الدولتين يمتلكان أغلب الأسهم فى شركة القناة، وكان من أخطر ما قامت به الدولتان هو سحب المرشدين الأجانب الذين كان دورهم حيويا فى تسيير القناة معتقدين بذلك أن القناة ستتوقف عن العمل، وبالتالى يتشكل ضغط دولى على مصر، إلا أن مصر نجحت فى إدارة القناة ولم يتوقف العمل بها وأصبح المرشدون المصريون يقومون بورديات إضافية كما بقى المرشدون اليونانيون ولم ينسحبوا وقامت القيادة المصرية للشركة وعلى رأسها المهندس محمود يونس بعمل رائع فلم يتوقف العمل فى القناة، وكان هذا هو أول نجاح فى قضية التأميم وأدار الرئيس عبدالناصر ومعه الدبلوماسى العظيم وزير الخارجية د. محمود فوزى هذه المعركة بمهارة بالغة. وعملت مصر على أن تأخذ هذه القضية طريقها للأمم المتحدة وتصبح هى الساحة التى يجرى فيها التفاوض وليس الاجتماعات التى تنظمها إنجلترا وفرنسا وحلفاؤهما.. وما سمى بعد ذلك بمؤتمر الدول المنتفعة من القناة الذى اجتمع فى لندن، وبالتالى لم يكن هناك مفر أمامهم من اللجوء إلى الأمم المتحدة، وهو ما رحبت به مصر.. وكان مجلس الأمن هو الجهة التى نظرت القضية ونجح فوزى وانعقدت هذه المفاوضات فى مكتب الأمين العام العظيم داج همرشلد.. وتجلت دبلوماسية فوزى وما نشأ من صداقة وتعاون بينه وبين همرشلد فى التوصل إلى المبادئ الستة ليتم التوصل إلى حل على أساسها.

كان أهم هذه المبادئ هو مبدأ احترام حرية الملاحة فى القناة، واحترام السيادة المصرية وتنمية القناة وأن يكون حل أى نزاعات عن طريق التحكيم، وهو ما يعنى استبعاد استخدام القوة.وانفض الاجتماع وكان فى أواخر سبتمبر 56 على أساس أن يعقد الاجتماع التالى يوم 29 أكتوبر، ولكن ما حدث هو أن الدولتين بدلا من الاستمرار فى التفاوض دعتا إسرائيل وذهب الثلاثة فى اجتماع سرى عقد بمدينة سفر جوار باريس يوم 24 أكتوبر 1956 واتفقوا على المؤامرة المعروفة وتم وضع السيناريو بحيث تقوم إسرائيل باجتياح سيناء ثم تعلن أنها وصلت إلى قناة السويس فتعلن كل من إنجلترا وفرنسا أن هناك تهديدا لقناة السويس، وتطالب كل من مصر وإسرائيل بسحب قواتهما من منطقة القناة على أساس أن القوات البريطانية والفرنسية ستقوم باحتلال القناة وتسييرها لصالح الملاحة الدولية وكان ذلك فى صورة إنذار يتم تنفيذه خلال فترة معينة أعتقد أنها كانت 48 ساعة، حسبما أذكر.. واتفق على أن هذا السيناريو سيطبق يوم 29 أكتوبر وهو اليوم الذى كان مقررا أن تستأنف فيه المفاوضات وهكذا بدأ العدوان الثلاثى.

الساعة الزاهيةفشل هذا السيناريو تماما.. وقف عبدالناصر على منبر الأزهر، وأعلن رفضه للإنذار البريطانى الفرنسى، وأعلن أننا سنقاوم العدوان، وأنت تذكر فيلم ناصر 56 لأحمد زكى.. الذى عندما أراد عمل فيلم عن عبدالناصر اختار هذه المعركة العظيمة فى تاريخ مصر بل وتاريخ العالم ليجسد دور عبدالناصر.

موقف أيزنهاورالرئيس الأمريكى أيزنهاور الذى رفض موقف الدولتين إنجلترا وفرنسا رغم أنهما من حلفائه وإسرائيل بطبيعة الحال.. ونعرف أن إنجلترا وفرنسا بالفعل نفذتا تهديدهما واحتلت القوات البريطانية مدينة بورسعيد فبدأت المقاومة المصرية ونذكر هنا أسماء الأبطال الذى قاوموا – وأغلبهم توفاه الله – كمال رفعت وعبدالفتاح أبوالفضل وعبدالمجيد شديد ومحمد غانم وغيرهم، ومعنا الحمد لله أولاً الصديق العزيز محمد فايق رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان والأستاذ سمير غانم صديقى فى نادى هليوبوليس.كان موقف أيزنهاور كما قلت لك حاسما، وكان مؤيدا أيضاً من خروشوف زعيم الاتحاد السوفيتى آنذاك الذى أخذ موقفاً قوياً والواقع أن الرأى العالمى كان معارضا لهذا العدوان.عارض أيزنهاور موقف حلفائه، وضغط عليهم سياسيا واقتصادياً واستخدم الفيتو، وحشد الرأى العام معه ورفض تزويدهم بالبترول أو بدعم الجنيه الاسترلينى الذى بدأ فى الانهيار إلا بعد سحب قواتها من بورسعيد، كما واصل الضغط على إسرائيل حتى سحبت قواتها من سيناء.اتخذ أيزنهاور هذا الموقف رغم أن انتخابات الرئاسة كانت ستتم بعد أيام، ولكنه لم يأبه للوبى اليهودى، وكانت لديه شعبية كبيرة ونجح فى انتخابات الدورة الثانية للرئاسة رغم وقوفه ضد إسرائيل.فشل العدوان الثلاثى وانتصرت مصر واحتفلنا بعد أيام بعيد النصر، وكانت السويس هى آخر معارك الاستعمار وفتحت الطريق أمام حركة التحرر الوطنى الكبرى فى العالم وخاصة فى أفريقيا.هنا أود أن أشير إلى دور الرئيس الأمريكى، فهو الدور الحاسم فى رسم السياسة وخاصة السياسة الخارجية، وليس صحيحا ما يقال عن أن أمريكا، وهى دولة مؤسسات أن ذلك يعنى أن أجهزة مثل الدفاع والمخابرات والخارجية أو غيرهما يضعون السياسات ليقوم الرئيس بتنفيذها. الواقع أن الرئيس الذى انتخبه الشعب هو الذى يقود ويأخذ القرارات الهامة.. وعلى الأجهزة أن تنفذ وليس العكس.. لكن ينبغى أن نعرف دور الكونجرس الهام ويكون أحياناً دورا مشاركا للرئيس فى القرار، ولكن كلما كان الرئيس قويا مثل أيزنهاور فإنه يستطيع أن يقنع أغلبية الكونجرس بمساندته، وخاصة إذا كان الكونجرس من حزبه. وعندما يكون الأمر له كلفة اقتصادية فإن دور الكونجرس يكون أساسيا فى القرار بل مشاركا فيه كما كان فى إلغاء الديون العسكرية، وكما نشهد الآن فى الأزمة بين الرئيس ترامب والكونجرس حول موضوع تمويل الجدار الذى يريد أن يبنيه على الحدود مع المكسيك، طبعا هناك المؤسسة القضائية وخاصة المحكمة العليا.

الوفاءأريد هنا أن أشير إلى ما فعله الرئيس عبدالناصر تعبيرا عن تقديره لموقف أيزنهاور.. فعندما توفى أيزنهاور عام 69 أى بعد تسعة أعوام من ترك الحكم قام الرئيس عبدالناصر بإيفاد الدكتور محمود فوزى مساعد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فيما بعد إلى واشنطن على رأس وفد للعزاء فى وفاة أيزنهاور، وذلك رغم أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كانت مقطوعة وكانت حرب الاستنزاف على أشدها، ولكن الرئيس عبدالناصر كان يتسم بالوفاء ولم ينس لأيزنهاور موقفه المعارض للعدوان فأوفد الدكتور فوزى للعزاء.كيف تقيم فترة عملك فى نيويورك؟ امتدت فترة عملى بنيويورك إلى ما يزيد على أربعة أعوام كان ختامها حصولى على درجة الماجستير فى العلوم السياسية والقانون الدولى من جامعة كولومبيا، تعرفت فى هذه الفترة على الأمم المتحدة وعلى نيويورك بما فيها من متاحف ومسارح وقاعات الموسيقى والأوبرا.. وشهدت حركة السياسة الدولية خاصة أثناء أزمة السويس والعدوان الثلاثى وتعرفت بمجموعة الدبلوماسيين المصريين العظام فى هذه السنوات بدءاً من الدكتور فوزى أبو الدبلوماسية المصرية وربطتنى به حتى وفاته علاقة كتب عنها فى كتاب “رحلة العمر”، وعلى السفير عمر لطفى رئيس البعثة الذى شجعنى على الدراسة والزملاء الكبار ومنهم من أصبحوا وزراء للخارجية وكتبت عن هؤلاء فى رحلة العمر، وفهمت أهمية عنصر الصداقة فى العمل الدبلوماسى فيما رأيته بين فوزى وهمرشلد، وكنت أقرأ الرسائل بينهما وانبهرت بها، كانا يمزجان فيها الأدب بالدبلوماسية، وكانت هناك رسائل من همرشلج للرئيس عبدالناصر، وأدعو وزير الخارجية سامح شكرى أن يكلف سفارتنا فى السويد لتحصل على نصوص هذه الرسائل من مؤسسة «داج همردم واشنطنشلد» فى مشروع كبير لتوثيق فترة حرب السويس فهى أعظم معركة دبلوماسية خاضتها مصر حتى معركة أكتوبر 73.تلك كانت بداية رحلتى مع أمريكا فى نيويورك واستفدت منها طوال فترة خدمة واشنطن.وإذا كنت قد رأيت الرئيس أيزنهاور وموقفه الحاسم ضد حلفائه أثناء العدوان الثلاثى، فقد رأيت بعدها بثلاثين عاما موقفا آخر قريبا منه من الرئيس جورج بوش الذى عارض بقوة سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وموقفه الهام فى إسقاط الديون الأمريكية التى كانت تشكل أكبر عبء علينا.. بطبيعة الحال كان إسقاط هذه الديون يتطلب إلى جانب موقف الرئيس موقفا آخر من الكونجرس لإصدار تشريع وكان معنى هذا أن نعمل على استقطاب أعضاء الكونجرس بمجلسيه للموافقة على إسقاط الديون. وتلك كانت معركة صعبة ساعدنا فيها ما كنا قد أقمناه من صلات صداقة مع أعضاء الكونجرس الذين يزيدون على خمسمائة عضو من كافة ولايات أمريكا.. وكان من حسن حظى أن كانت معى كتيبة من الدبلوماسيين الأكفاء والذين كان حماسهم للعمل يبهرنى واستفدت فى ذلك من خبرتى فى الأمم المتحدة عن أهمية إقامة شبكة اتصالات تجدها جاهزة لمساعدتك عند اللزوم، ومن خلالها تستطيع التعرف على اتجاهات الأحداث.. إلخ.ولذلك عندما رشحنا بطرس غالى لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، كان أصدقاؤنا فى الإدارة هم الذين قاموا بإقناع بوش وبيكر وزير الخارجية بدعم المرشح المصرى.كان الرئيس بوش يرى عندما خلا منصب سكرتير عام الأمم المتحدة أن يرشح صديقه الأمير صدر الدين خان، وكان وزير الخارجية بيكر يرى ترشيح شيزيرو وزير خارجية زيمبابوى، والواقع أنه لم يكن هناك ما يسمى بمرشح القارة الأفريقية.. لقد اتفق القادة الأفارقة على أن يترك الباب مفتوحا للدول الأفريقية لترشح من تراه لهذا المقعد الذى لم يشغله أفريقى من قبل.. وقد عبرت للقاهرة عن رأيى بأنه لو رشحت مصر الدكتور غالى فإننى أرى أن له فرصة طيبة للحصول على المنصب، مستنداً فى ذلك إلى الجو العام الذى كان سائدا أثناءها فى واشنطن الذى كان مقدراً لمصر.. حتى قبل ظهور أزمة الكويت.. بحيث كان الرئيس مبارك هو أول رئيس يدعوه الرئيس الأمريكى لزيارة دولة لواشنطن عام 89.استمر موقف الرئيس بوش الداعم لمصر ليس فقط فى مسألة إسقاط الديون الأمريكية ونصف ديون الدول الأخرى وما حصلت عليه مصر من معونات من صندوق دعم الدول المتضررة والتوصل لبرنامج ممتاز للإصلاح الاقتصادى ثم دعم ترشيح غالى أمينا عاما للأمم المتحدة، ثم أمر آخر مؤتمر مدريد الذى كان مقدرا له أن يبنى نظام أمن وسلام لمنطقة الشرق الأوسط على غرار مؤتمر هلسنكى الذى بنى الأمن الأوروبى.. والواقع أن بوش الأب هو امتداد لفكر أيزنهاور، وقد شهدت موقف أيزنهاور فى بداية عملى بنيويورك وموقف بوش فى ختام رحلتى الدبلوماسية فى واشنطن.. ولذلك فعندما توفى هذا الرجل شعرت بأنه من الواجب على أن أكتب مقالا للوداع يكون بمثابة كلمة وفاء لرجل ساند مصر ووقف معها وكانت توجهاته بصفة عامة من أجل إقامة سلام فى الشرق الأوسط وحل المشكلة الفلسطينية، ومن هنا جاءت مبادرته بمؤتمر مدريد.. ولأننى كنت أخشى أن يختلط جورج بوش الأب واسم بوش الابن الذى ارتكب جريمة غزو العراق عام 2003 فقد وضعت اسم بوش الأب مستخدما اسمه الثلاثى «جورج هربرت بوش» ويوم ظهور المقال اتصل بى الكثيرون ليعربوا عن تقديرهم للمقال.ودعنى أقول لك ما أقتنع به من داخلى، وهو أن موقف بوش الأب الذى حدثتك عنه فى معارضة استخدام قروض الإسكان بمبلغ عشرة مليارات دولار فى بناء مستوطنات فى إسرائيل كان لها أثرها فى عدم نجاحه للحصول على فترة رئاسة ثانية، فالموقف الذى اتخذه جعله هدفا للوبى المناصر لإسرائيل وهو نفسه أعلن يوم نظر الموضوع فى الكونجرس أنه يقف وحيدا فى البيت الأبيض بينما يهبط على الكونجرس أعضاء اللوبى من كافة أنحاء أمريكا.. وقد اعتبر اللوبى أن هذا التصريح يعتبر معاديا للسامية وكان ذلك قبل الانتخابات بفترة وجيزة.بعد العدوان الثلاثى كانت هناك نكسة 67 كيف تعايشت معها؟أنت تعيد إلىّ ذكرى أكثر الأيام حزنا فى حياتى.. كنت أعمل أثناء هذه الفترة فى مكتب وزير الخارجية المرحوم محمود رياض.. ورأيت كيف دارت الأحداث متسارعة وكأنها قطار يسير بدون فرامل.. ورأيت المؤامرة التى تعرضت لها مصر وكيف كان الرئيس الأمريكى جونسون أهم عامل من عوامل هذه المؤامرة.. وإذا كنت قد حدثتك عن موقف الرئيس أيزنهاور الذى وقف ضد العدوان.. فإن جونسون هو الذى أعطى الضوء الأخضر للعدوان فى أزمة 67.وكل ذلك يوضح أهمية أن تكون هناك قنوات عمل وعلاقة عمل طيبة بين مصر وأمريكا وبين الرئيسين المصرى والأمريكى، وذلك لأهمية دور أمريكا فى كل شئون الشرق الأوسط، بحيث يمكن لأى من الرئيسين أن يتصل بالآخر لعلاج أى أزمة. كنت ضمن الوفد المرافق للرئيس الراحل السادات فى كامب دافيد، والمفاوضات التى دارت – فما الهدف الذى كان الرئيس السادات يسعى إلى تحقيقه؟ الرئيس السادات كان هدفه منذ البداية هو أن يستعيد أرض مصر.. مع إيجاد إطار لحل المشكلة الفلسطينية والأراضى المحتلة العربية الأخرى، ولكن للأسف الدول العربية المرتبطة بالأزمة اتخذت منه موقفا معاديا وهاجمته ولكن الرئيس السادات واصل طريقه واستطاع استرداد سيناء وهذا يحسب له. ولكن لم يتم إنجاز حل للمشكلة الفلسطينية أو الأراضى العربية الأخرى.والواقع أن ما حدث فى كامب ديفيد قد سجلته فى كتابى «رحلة العمر»، ولكن دعنى أذكر لك قصة معبرة بعد عودتى من كامب دافيد أخذت سيارتى نصر 131 وتوجهت إلى رأس البر لأكون مع أسرتى التى كانت هناك واستوقفنى فلاح فى الطريق وركب معى وسألته ما رأيك فيما أعلن عن اتفاقات كامب دافيد هل هذاشىء جيد؟ فأجابنى على الفور أنه جيد جدا فسألته لماذا؟! فأجاب أخذنا أرضنا والبترول وتم الاتفاق على إنهاء الحرب.. وعندها قلت فى نفسى.. كأن هذا الفلاح هو نفس الرئيس الفلاح أنور السادات فى نظرته للأرض. كيف ترى العلاقة بين الرئيس السيسى والرئيس ترامب؟ الرئيس السيسى يفهم تماما الخريطة السياسية والدبلوماسية فى العالم، وحركة القوى والأحداث فى الشرق الأوسط.. وهو جاء للحكم حاملاً إرثاً ضخماً من المشكلات والتحديات وعلى وجه الخصوص من الناحية الاقتصادية والأمنية.. وهو يعلم أهمية الولايات المتحدة وأن دورها فى المنطقة دور هام للغاية وحيوى.. وقد رأينا ذلك فى هذا الحديث من قبل وأن مصالح مصر الوطنية تتطلب أن تكون هناك علاقة عمل وثيقة مع الرئيس الأمريكى.وقد سبق وحدثتك عن دور الرئيس الأمريكى فى صنع السياسة، وهو صاحب القرار وبجانبه الكونجرس طبعا.. ومن خلال مشاهداتى للقاءات الرئيس السيسى مع الرئيس ترامب أرى أن هناك كيمياء جيدة وهذا شىء يصب فى المصلحة المصرية.. لأن الرؤساء فى النهاية بشر والمشاعر الإنسانية لها أثرها.. ومصر بمشكلاتها الاقتصادية والأمنية وغيرها يتعين أن تكون على علاقة عمل طيبة مع أمريكا، والرئيس السيسى يحرص على ذلك، وفى الواقع هو يحرص على أن تكون له علاقات جيدة مع كافة رؤساء العالم سواءً فى روسيا أو فى الصين أو فى فرنسا أو غيرها مثل دول الجوار. المصدر جريدة الوفد https://m.alwafd.news/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AD%D9%80%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA/2173518-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%89%C2%BB-%D8%AC%D8%A7%D8%A1-%D9%84%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A8%D8%A5%D8%B1%D8%AB-%D8%B6%D8%AE%D9%85-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%83%D9%84-%D9%88%D9%8A%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%AA%D9%85%D8%A7%D9%85%D9%8B%D8%A7-%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85