<
الرئيسية » اهم الأخبار » مكتبة دمياط في سطور

مكتبة دمياط في سطور

مكتبة دمياط في سطور
كان افتتاح مكتبة مصر العامة بدمياط شيئا مفرحا لي ليس فقط لأنها جزء من مسيرة مكتبات مصر العامة وأسعد دائما بافتتاح اية مكتبة تنضم إلى منظومتها ولكن أيضا لأن دمياط تعني لي الكثير؛ هي المدينة التي قضيت أحد عشر عاما أغادر كل يوم منزلنا بعزبة البرج في الصباح المبكر لأذهب إلى المدرسة الابتدائية ثم الثانوية اللتين يضمهما مبنى واحد.
نقطع المسافة على الطريق الترابي (14 كم) إما بالسيارة أو سيرا على الاقدام أو بالمركب الشراعي حسب أحكام الجو والمطر الذي كان يسقط كثيرا بالشتاء في المدن الساحلية قبل التغيرات المناخية التي أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة في العالم.
بدأت الدراسة وأنا ابن السبعة أعوام ثم ختمتها وأنا ابن السبعة عشر عاما، وفي هذه الفترة تفتحت مداركي وبدأت أتعرف على أحوال مصر بل والعالم وأشارك بالنشاط الطلابي واكتشف ميولي التي أخذتني إلى كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن).
كان محافظ دمياط الذي بدأ مشروع المكتبة الدكتور عبد العظيم وزير هو الذي حضر اجتماع يوم ٢١ يونيو عام ٢٠٠٠ الذي انطلقت منه مبادرة المكتبات الإقليمية.
اختار الدكتور وزير موقعا ممتازا على نيل دمياط لإقامة المكتبة، ثم ينقل الدكتور عبد العظيم محافظا للقاهرة في عام ٢٠٠٤ ليخلفه الدكتور مهندس محمد فتحي البرادعي الذي طور المكتبة ورعاها، ثم أضاف إليها جسر الحضارة الذي حكيت عنه بالحلقة السابقة.
نزلت مع الفنان الوزير فاروق حسني والدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار آنذاك بفندق بوريفاج القريب من منطقة اللسان وبوغاز دمياط وكانت تلك أول مرة يرى فيها فاروق حسني رأس البر فأخذ يتحدث عن رحلته في اليوم السابق على طريق بورسعيد- رأس البر، وكم كان مبهورا بالمنظر الفريد للسماء وقت الغسق والسحب ذات اللون البرتقالي الفريد ومنظر الصواري المشرعة على سفن الصيد الشراعية ببحيرة المنزلة التي كان الطريق يشقها بينما البحر على يمينه.
توجهنا من رأس البر إلى دمياط لحضور حفل افتتاح المكتبة وجاءت السيدة سوزان مبارك بالطائرة وتفقدنا المكتبة ذات الأربعة أو خمسة أدوار إذا احتسبنا الرووف.
المكتبة مقامة حسب المواصفات التي وضعتها المكتبة الرئيسية من واقع خبرتها لمدة عشرة أعوام بفلسفتها التي تبلورت وأثبتت نجاحها وبما تضمه من بنية أساسية لتكنولوجيا المعلومات وأجهزة الكمبيوتر والتي جاءت تنفيذا للاتفاق مع وزير الاتصالات، أما أثاث المكتبة البسيط والعملي فهو بالأيدي والخبرة الدمياطية المعروفة، وكعادتها أخذت السيدة سوزان مبارك تتحدث مع الأطفال والعاملين والعاملات بالمكتبة.
ومن افتتاح المكتبة إلى رأس البر مرة أخرى بالضفة الغربية لدمياط وشمالا إلى منطقة اللسان تحديدا، حيث أقام المحافظ المهندس البرادعي برؤيته المستنيرة رخامة تسجل مسيرة النهر الخالد من المنابع بأفريقيا الاستوائية وهضبة الحبشة ليلتقي النيل الأبيض مع النيل الأزرق في نهر واحد في الخرطوم بالسودان ليقطع الرحلة حتى يصب مياهه في البحر المتوسط حيث كنا نقف على اللسان.
والواقع أن هذه البقعة ليست فريدة فقط لموقعها الجغرافي حيث تمتزج مياه النيل بالبحر، بل أيضا بما توحي به من وقائع التاريخ والغزوات التي تعرضت لها مصر عبر العصور وما تمثله من دراما التاريخ.
أعد المحافظ البرادعي أيضا معرضا مصورا لرأس البر “أبام زمان” عندما كانت المدينة يتم تركيبها في مدخل كل صيف ثم تفكيكها في مدخل الخربف ثم تخزين القوائم الخشبية وألواح الأرضيات والأكياب والبوص التي تتكون منها “العشة” وهذا هو الاسم الذي يطلق على المنزل برأس البر.
بينما نتفقد معرض “رأس البر زمان” تأتي سفن الصيد ويلوح الصيادون لنا بالتحية بينما يعبرون البوغاز دخولا أو خروجا إلى عزبة البرج حيث يقف فنار دمياط الشهير.
كانت رأس البر هي الجزء الوحيد الذي به إعمار بالضفة الغربية بالنيل حتى جاءت حركة التعمير الكبرى بهذه المنطقة في أعقاب حرب اكتوبر المجيدة، وكان المهندس حسب الله الكفراوي ابن دمياط وزميل الدراسة هو الذي نفذ حلما مصريا قبل أن يكون حلما دمياطيا ببناء ميناء جديد بعد أن أصبح الميناء القديم غير صالح للسفن الكبيرة وتم اختيار الموقع على بعد نحو عشرة أميال غرب رأس البر وسرعان ما يصبح الميناء واحدا من أهم موانئ مصر وخاصة بمجال الحاويات، ثم تتكامل مع الميناء مدينة جديدة هي دمياط الجديدة التي تصبح المجال الذي تتوسع فيه المدينة القديمة عمرانيا وفي خلال عدة عقود تصبح دمياط الجديدة آهلة بالسكان حيث يقطنها اليوم أكثر من 150 ألف نسمة، وكان طبيعيا لمكتبة مصر العامة بدمياط العامة أن تفكر في أن يكون أول مكتبة فرعية لها بهذه المدينة التي افتتحت عام ٢٠٠٨ ونعمل الآن على توسعة هذه المكتبة وتطويرها لخدمة المدينة والمؤسسات التعليمية التي انتشرت بها.
وعندما طلب مني الوزير حسب الله الكفراوي بعد عودتي من واشنطن بصيف 1992 أن أرأس أول مجلس أمناء لها كان ذلك أول عمل تطوعي أقوم به لثلاثة أعوام بعد مشوار الدبلوماسية وكانت أكبر مكافأة لي أنني أذهب إلى رأس البر بعد جلسة مجلس الأمناء للقاء أسرتي لتكون رائحة البحر التي شببت عليها أول ما يرحب بي.
هكذا تمددت دمياط غربا وتواصلت مع محافظة الدقهلية بالطريق الساحلي على البحر المتوسط الذي يبدأ من العريش ويمر بدمياط ثم المدن الأخرى حتى مرسى مطروح.
هذا عن الجغرافيا والعمران ومكتبة مصر العامة بدمياط وفرعها بدمياط الجديدة… ويبقى التاريخ، ودمياط من أقدم مدن المحروسة وميناؤها أقدم موانيها وكان أهمها حتى مجيء محمد علي الذي اهتم بالاسكندرية وطور ميناءها وربطها بترعة المحمودية وأصبحت هي ميناء مصر الأول.
كتبت في الحلقتين ٩ و١٠ عن مكتبتي مصر العامة ببورسعيد والمنصورة وكلا المدينتين يرتبطان بدمياط التي تقع في منتصف المسافة بينهما.
كانت دمياط هي المدينة التي ذهب منها العمال عن طريق بحيرة المنزلة إلى المنطقة الساحلية التي أصبحت فيما بعد بورسعيد حيث تم شق قناة السويس من البحر المتوسط شمالا، أما المدينة الثانية المنصورة فقد كانت نشأتها نتاجا للحملات الصليبية التي تعرضت لها دمياط في منتصف القرن الثالث عشر والتي كان آخر مشاهدها خروج ملك فرنسا لويس التاسع بعد فك أسره (كما جاء في الحلقة ١٠ من حديث المكتبة)،وابحاره من البوغاز الذي كنا نقف بجواره على اللسان.
وهذه المدن الثلاث تمثل في رأيي ما أسميه “ثلاثية الشمال”.
وللتاريخ بقية في الحلقة القادمة من حديث المكتبة إن شاء الله.
السفير عبد الرءوف الريدي رئيس مجلس إدارة مكتبة مصر العامة