<
الرئيسية » Uncategorized » منارة علي النيل

منارة علي النيل

منارة علي النيل عنوان حديثنا الرابع عن مكتبة مصر العامة بقلم  سعادة السفير عبد الرءوف الريدي…

بينما كان المهندس المقاول ممدوح حبشي يقوم بإنشاء مبنى المكتبة وتألق فيه، كانت لمياء عيد إبنة الثلاثة والثلاثين عاما تشرف على تجهيزها. كونت فريقا من الشباب الذين تدرجوا مع المكتبة بعد ذلك فأصبح منهم المدير ونائب المدير وغيرهما ممن ذهب لتولي قيادة مكتبات بالخارج. أخذوا يصنفون مقتنيات المكتبة، عملوا بالليل والنهار بحيث جاء يوم 21/3/1995 لتكون المكتبة جاهزة للافتتاح…
تشكل مجلس الإدارة من تسعة أعضاء ثلاثة كنت من بينهم تختارهم جمعية الرعاية المتكاملة وثلاثة ترشحهم مؤسسة برتلسمان (رينهارد مون وبيتينا فينداو وأحمد هلال) وثلاثة يختارهم وزير الثقافة.
وفي الاجتماع الأول لمجلس الإدارة تقرر تغيير اسم المكتبة من مكتبة الجيزة العامة إلى مكتبة مبارك العامة، وأن تكون الرئاسة الشرفية للسيدة سوزان مبارك، كما اتفقنا على أن يكون العمل الذي يقوم به رئيس مجلس الإدارة والأعضاء عملا تطوعيا دون أي مقابل مادي.
ما أن بدأت المكتبة في العمل حتى لاحت بوادر النجاح وكان من أهم أسرار هذا النجاح أن المكتبة تقوم على مبدأ الاستعارة الخارجية وكان زوار المكتبة يتعجبون من حماس أمناء المكتبة في حثهم على أن يأخذوا خمسة كتب ويذهبوا بها إلى منازلهم للاستعارة الخارجية… لقد قررنا أن نتحرر من عقدة الخوف بالنسبة لضياع الكتب أو عدم اعادتها وعبر الأعوام الخمسة والعشرين الماضية كان متوسط الفاقد في الكتب اقل من 1%.
ولم تمر سوى عدة شهور حتى أصبحت المكتبة مكانا معروفا يرتاده الكثيرون… دور كامل للكبار يوجد به مكان لقراءة الدوريات المصرية والعربية والأجنبية التي يتشوق الكثيرون لقراءتها… مثل مجلة ناشيونال جيوجرافيك ومجلة “شئون خارجية” الأمريكيتين فضلا عن الدوريات المصرية والعربية والأجنبية. في نفس الوقت يوجد دور آخر للصغار تتوسطه قاعة للأنشطة… وعندما كنت أذهب للمكتبة وأدخل إلى مكتبي في نهاية الدور الخاص بالأطفال وأجدهم قد افترشوا الارض بعد أن لم تعد هناك أماكن خالية وأراهم منكبين على القراءة، كان هذا المنظر وحده كفيلا بأن يزيل أية شكوك عندي حول جدوى ما أنفقه من وقت وجهد في سبيل المكتبة، وفي الدور العلوي توجد قاعة المؤتمرات الواقعة على تراس يطل على النيل وهو من أجمل الأمكنة المطلة على نيل القاهرة.
أما فلسفة إدارة المكتبة فكان لرينهارد مون الذي حقق نجاحا باهرا كرجل أعمال دور رئيسي في صياغتها حيث اتخذت الأساليب الحديثة في الإدارة التي تستجيب لرغبات “الزبائن” أي الأعضاء والتي يلعب الترويج عاملا مهما فيها، وكذلك قياس أداء المكتبة بشكل دوري يشمل الزيادة والنقصان في عدد الأعضاء وخصوصا النشيطين منهم وعدد مرات دوران الكتاب ما بين الاستعارة والقراءة وعدد زوار المكتبة الذين يتوافدون ويأتون للتعرف عليها بقصد الاشتراك فيها وعدد الأنشطة الثقافية.
كان أول من دعوتهم لإلقاء محاضرة بعد افتتاح المكتبة عالما مصريا يعمل أستاذ بإحدى الجامعات المعروفة في كاليفورنيا، ولم يكن هذا العالم سوى الدكتور أحمدزويل الذي حصل بعد عدة أعوام على جائزة نوبل في الفيزياء…ثم جاء صديقي الدكتور فاروق الباز والأديب الأمريكي المعروف ريتشارد فورد ثم رئيس البنك الدولي جيم ولفنسون، وتوالت بعد ذلك اللقاءات والمحاضرات والاحتفالات، في العام الماضي 2019 خصصناه لأفريقيا حيث كان الرئيس السيسي رئيس الاتحاد الأفريقي وذهب وفد مشترك مع المجلس المصري للشئون الخارجية إلى مقر قناة السويس يوم 17 نوفمبر 2019 للتهنئة بمرور 150 عاما على افتتاح القناة وكان يوما رائعا.
وكثيرا ما التقى الآن بشخصيات من مهندسين وأطباء وغيرهم يخبروني بأنهم بدأوا مشوارهم الثقافي في المكتبة التي أصبحت منارة على النيل…
وللحديث بقية…
السفير عبد الرءوف الريدي
رئيس مجلس إدارة مكتبة مصر العامة